تعز : ما جرى اليوم لم يكن سوى صورة دامغة لمأساة تتكرر كلما ظنّت فوهة البندقية أنها أحق بالبقاء من نص الدستور

رأفت توفيق الحاجبي:

ما جرى اليوم في تعز لم يكن سوى صورة دامغة لمأساة تتكرر كلما ظنّت فوهة البندقية أنها أحق بالبقاء من نص الدستور وكلما تخيل حامل السلاح أن مكانته تتيح له اقتحام قدسية العدالة وفرض صوته على صوت القانون

إن اقتحام المجمع القضائي من قبل مجموعة مسلحة تابعة لأحد الألوية العسكرية وما تخلله من إطلاق نار واعتداء على الحراسة وجر أحد أفرادها إلى وجهة مجهولة يمثل جريمة مزدوجة في حق الدولة وفي حق المجتمع بأسره ليس فقط من حيث الأثر الأمني ولكن من حيث الرمزية الكامنة في الفعل ذاته

حين تتحول المؤسسات العسكرية إلى أدوات للفوضى يصبح واجب الدولة أكبر من مجرد بيانات شجب أو خطوات تهدئة بل إن مسؤوليتها الأخلاقية والدستورية تفرض عليها أن تثبت أن النص الدستوري ليس حبرا على ورق وأن كرامة القاضي ليست مباحة لمزاج الجندي

هذا الاعتداء ليس حدثا معزولا ولا انفلاتا آنيا بل مؤشر خطير على اختلال في العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة القضائية وهو ما يستوجب مراجعة شاملة للثقافة التي تُلقن للعسكري في مراكز تدريبه وطبيعة ما يُغرس فيه من فهم لطبيعة مؤسسات الدولة وتوازنها

لا يمكن أن تبقى العدالة في هذا الوطن هدفا سهلا لمن شاء العبث بها ولا يصح أن تظل مهددة في ساحتها وفي مكان عملها وبين ملفات المتقاضين الذين يتطلعون إلى نصرة حقوقهم عبر القضاء لا عبر فوهات البنادق

العدالة ليست طرفا في صراع سياسي ولا رقما في معادلة عسكرية بل هي جوهر وجود الدولة وهي آخر ما تبقى من مظاهرها في زمن الحرب والانقسام فإذا انكسرت العدالة في قاعاتها فلن تقيمها بعدها قوة ولا تشكيل

إن الرد على هذه الحادثة يجب أن يكون بحجم معناها لا بحجم مكانها فقط فهي تعني بوضوح أن الدولة إن لم تنتصر للقضاء فإنها تعلن بشكل غير مباشر أنها تخلت عن إحدى أبرز ركائزها وإن صمتها يشرعن الفوضى لا يحاصرها

حين يتجرأ الجندي على القاضي في حضرة الدستور فاعلم أن البندقية قد اغترت أكثر مما ينبغي وأن الدولة تأخرت أكثر مما يجوز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى